رسالة من الحضارة البشرية
رحلة إلى المجهول
هل نعيش وحدنا في هذا الكون الشاسع أم هناك مخلوقات أخرى تشاركنا السكن فيه ؟
هذا السؤال شغل بال الكثير من الفلاسفة والأدباء والعلماء منذ أن أكتشفنا بأن النجوم التي تملئ السماء ليلا ليست إلا شموسا أخرى كشمسنا التي يدور حولها كوكب الأرض .
أكتشف العلماء إنه قبل 13.8 مليار سنة كان الكون وكل شيء فيه مضغوطا على شكل طاقة عظيمة في حيز صغير جدا وفجأة حدث تضخم لهذا الحيز إذ تمدد معه نسيج الكون وهو الزمكان ( الزمان والمكان ) وانخفضت مع هذا التمدد درجة الحرارة وتحولت الطاقة إلى مادة بصورة جسيمات أولية غير مستقرة ومع التمدد وإنخفاض درجة الحرارة استقرت وأتحدت بعض الجسيمات لتكون جسيمات اثقل وهي البروتونات التي إرتبطت مع الالكترونات لتتكون ذرات الهيدروجين , ومع إزدياد حجم الكون وإنخفاض حرارته أكثر , وبعد ملايين السنين عملت قوة الجاذبية على تجميع سحب الهيدروجين مع بعضها البعض لتتكون النجوم والمجرات ومنها مجرتنا درب التبانة التي تشكلت قبل 13.2 مليار سنة وتكونت الشمس قبل ما يقارب 4.6 مليار سنة وبعدها تكونت الكواكب حولها بما فيها الأرض , يقدر العلماء حاليا عدد المجرات بالكون المرئي بأكثر من 100 مليار مجرة وفي كل مجرة هناك من 100 مليار إلى 1000 مليار نجم ونحن نعلم بأن الشمس ليست إلا نجمة واحدة من هذا العدد الهائل من النجوم , لذلك من المنطقي التساؤول عن احتمالية وجود حياة في مكان ما في الكون .
بعد نجاح وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في برنامج الهبوط على القمر توسعت في برامج أستكشاف الفضاء فأرسلت عام 1977 مهمة علمية لدراسة الكواكب الخارجية وأقمارها في المجموعة الشمسية حيث تم أطلاق مسبارين هما
( فوياجر 1) (فوياجر 2 ) خطط للرحلة بحيث تزور المركبتين كوكب المشتري وزحل ومن ثم تفترقان بعد كوكب زحل لتنطلق ( فوياجر 1 ) خارج المجموعة الشمسية بإتجاه الفضاء ما بين النجوم وتكمل ( فوياجر 2 ) رحلتها إلى كوكب أورانوس ونبتون وبالنهاية تغادر هي الأخرى المجموعة الشمسية بإتجاه أخر , حرص العلماء على أن تتم عملية الأطلاق في الفترة المناسبة لأن اصطفاف الكواكب الاربعة في مسار الرحلة لن يتكرر سوى مرة واحدة كل 167 سنة , زودت كل من المركبتين بمصدر نووي عبارة عن بلوتونيوم مشع لتغذيتها بالطاقة اللازمة لتشغيل أجهزتها كانت الأجهزة عبارة عن هوائي للإرسال وأجهزة أستشعار بالإضافة إلى ثلاثة أجهزة كمبيوتر كل واحد منها سعة ذاكرته ٨ كيلو بايت فقط .
نجحت المركبتان في مهمتهما الأساسية وأرسلت أروع الصور لتلك الكواكب وأقمارها كاشفة عن أسرار لم يكن يعرفها العلماء فالبقعة الحمراء في كوكب المشتري أتضح أنها أعصار ضخم بحجم ضعفي الكرة الأرضية ولا يعلم العلماء متى بدأ ومتى سينتهي , أما حلقات زحل فتبين أنها عبارة عن عدد كبير جدا من الجسيمات التي يتراوح حجمها من ميكرو متر إلى عدة أمتار , كشفت الصور أيضا عن تضاريس مذهلة لأقمار المشتري كاليستو ونميتد ويوروبا وعن براكين ضخمة على سطح القمر أيو .
بعد أن تخطت المركبتين حدود الكواكب الخارجية بدأت رحلتهما إلى حدود النظام الشمسي . لم يكن العلماء متأكدين أين تقع حدود النظام الشمسي ولكنهم يعرفون بأن للشمس مجال مغناطيسي على شكل كرة تحيط بالمجموعة الشمسية بأكملها وتصد عنها الأشعة الكونية الناتجة عن انفجارات النجوم في المجرة لذلك كان العلماء بإنتظار إشارة تدل على خروج المركبة من المجال المغناطيسي للشمس وبالفعل في عام 2012 أتت البيانات المرسلة من أجهزة الاستشعار في المركبة ( فوياجر 1 ) لتبين تعرضها لقصف مفاجئ من الأشعة الكونية مؤكدة بذلك أنها غادرت النظام الشمسي وأصبحت في الفضاء ما بين النجوم وأعلنت ذلك وكالة ناسا رسميا في عام 2013 .
لم تنتهي مهمة ( فوياجر 1 ) بعد بل هناك رسالة مهمة تم تكليفها بإيصالها رسالة ليست كبقية الرسائل إنها رسالة من الحضارة البشرية إلى أي حضارة في الفضاء قد تجد المركبة بعد رحلتها التي قد تستمر لملايين وربما مليارات السنين . قبل فترة قصيرة من إنطلاق المركبة عام 1977 طلبت وكالة ناسا من العالم ( كارل ساعان ) أن يعد رسالة من سكان الأرض ومنحته كامل الحرية بتحديد مضمون الرسالة , وبالفعل قام العالم بإعداد تلك الرسالة وتم تسجيلها على قرص من النحاس مطلي بطبقة من الذهب تم تثبيته على جسم المركبة
إحتوت الرسالة على تحية من سكان الأرض ب 55 لغة من بينها اللغة العربية قامت بتسجيل الرسالة العربية فتاة تدعى أمل شيخ كما ورد في أرشيف وكالة ناسا تقول الرسالة العربية
( تحياتنا للأصدقاء في النجوم ياليت يجمعنا الزمان )
إحتوت الرسالة على العديد من الصور كصور الألعاب الأولمبية وصور أطفال وقاعات دراسية صورة للجنين صورة للبحر الأحمر وسيناء والنيل فيها كذلك رسم يوضح موقع الكرة الأرضية في الفضاء خطاب للرئيس الأمريكي جيمي كارتر نسخة من حمض الدي ان اي ( DNA ) البشري
كذلك أحتوت على مقاطع موسيقية من مختلف الثقافات من بينهم موزارت وبيتهوفن وإحتوت على الكثير من الاصوات المألوفة في كوكب الارض كصوت أمواج البحر وصوت الحيتان صوت الرعد والرياح والطيور وأصوات كثير من الحيوانات صوت نبضات القلب وخطوات الإنسان وغيرها الكثير من الأصوات
بإختصار تحتوي على أرث كوكبنا بالكامل من ثقافة وفنون وعلم
قد يتسأل البعض عن اللغة المستخدمة في القرض الذهبي ؟ إنها لغة الرياضيات وهي لغة الكون . استخدم العلماء انتقال الالكترونات في ذرة الهيدروجين لتعريف وحدات قياس المسافة والزمن الموضوعة في القرص لأن القوانين التي تحكم الذرات هي ذاتها في كل أنحاء الكون فيمكن الاعتماد عليها كمعيار كوني , وبناء عليه تم كتابة إرشادات لكيفية تشغيل الفيديو والصوت المصحوبان في السجل
الأن المسبار قطع 18 مليار كيلو ولكن لن يصل لأقرب نجم إلينا ( الفا قنطورس ) إلا بعد 40 الف سنة علما أنه يبعد عنا 1.7 سنة ضوئية فقط ..
كان كارل ساغان عضو في فريق تقنيات التصوير لمشروع فوياجر لذلك أقنع وكالة ناسا أن تقوم المركبة ( فوياجر 1 ) بعد إجتيازها الكواكب بإدارة كاميرتها نحو الأرض لإلتقاط صورة أخيرة لكوكب الأرض وبالفعل أرسلت المركبة تلك الصورة المذهلة التي بدت فيها الأرض نقطة زرقاء باهتة في مسار شعاع الشمس , أصبحت تلك الصورة من أشهر الصور في رحلات وكالة ناسا

وعلق عليها كارل ساغان بكلمات معبرة قال فيها
( تلك النقطة هنا موطننا عليها جميع من تحب جميع من تعرف جميع من سمعت عنه , كل إنسان مهما كان عاش عليها
هي جملة أفراحنا ومعاناتنا الألاف من المعتقدات والأفكار والمذاهب الإقتصادية , كل صياد وجامع طعام كل بطل وجبان كل صانع ومدمر للحضارة كل ملك ومزارع بسيط كل زوجين يافعين واقعين في الحب كل أب وأم وابن كل عالم ومخترع ومستكشف كل معلم للأخلاق كل سياسي فاسد كل مشهور وقائد أعلى كل تقي وأثم في تاريخ جنسنا البشري عاش هناك على ذرة غبار عالقة في شعاع الشمس , الأرض منصة صغيرة جدا في ساحة كونية واسعة , فكر بالقسوة اللامتناهية التي يغزو بها سكان أحد أجزاء تلك النقطة سكان أخرين بالكاد تميزهم في جزء أخر فيها , كم هي متكررة إختلافاتنا كم يتوقون لقتل بعضهم بعض كم هي مشتعلة كراهيتهم , فكر في أنهار الدماء التي سفكت من طرف كل هؤلاء الجنرالات والأباطرة لكي يصبحوا بكل مجد وانتصار أسياد لجزء من نقطة , إن توهمنا بأهميتنا واعتقادنا بأننا مركز الكون تتحداه تلك النقطة باهتة الضوء , كوكبنا بقعة وحيدة في الظلام الكوني العظيم في غموضنا في هذا الإتساع الرهيب ليس هناك أي دليل على أن المساعدة ستأتينا من كوكب أخر لتنقذنا من أنفسنا الأرض حتى الأن هي الملاذ الوحيد للحياة ,لا يمكن لجنسنا البشري أن يهاجر لمكان أخر في المستقبل القريب على الأقل ربما لا يوجد أي إثبات على حماقة الغرور البشري أفضل من تلك الصورة البعيدة لعالمنا الصغير بالنسبة لي فهي تجسد مسؤوليتنا كي نتعامل بلطف وعطف مع بعضنا البعض وأن نحافظ ونعتز بهذه النقطة الزرقاء الموطن الوحيد الذي عرفناه منذ القدم )
كانت هذه كلمات كارل ساغان في وصف كوكب الأرض
المركبة ( فوياجر 1 ) حاليا في الفضاء ما بين النجوم سيقوم العلماء بإطفاءها بشكل تام بحلول عام 2025 لتنام بسلام مكملة رحلتها الطويلة بعيدا عن هموم الأرض حاملة معها ( تحياتنا للأصدقاء في النجوم يا ليت يجمعنا الزمان )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق